إن تأمين حياة زوجية مستقرة وسعيدة لا يتحقق الإ من خلال تفعيل بعض القيم الثقافية والأخلاقية بشكل تنعكس وبصورة فعلية في الأنماط السلوكية اليومية للزوجين.
وبالرغم من أن الحياة الزوجية والأسرية في المجتمعات العربية بما فيها مجتمع الإمارات قد حظيت بقدر كبير من الدراسة ، ألا أنها لم توضع في السياق الشمولي لثقافة الستر المميزة لتلك المجتمعات.
إن العلاقة بين الزوج والزوجة هي علاقة "ستر" او " ستر وغطا". فكما ان الثوب أو اللباس يستر الجسد ويحميه، كذلك العلاقة الزوجية الحميمية هي بمثابة "ستر" يستر الزوج والزوجة ويحمي أسرتيهما، ويحفظ عفتهما وشرفها، قال تعالى: {هن لباس لكم وأنتم لباس لهن} (سورة البقرة: آية 187).
ومع انه لا يمكن الفصل بين الزوج والزوجة في علاقتهما بقيمة الستر، سوف نشير الى علاقة هذه القيمة العظيمة بالزوجة أولاً ثم علاقتها بالزوج.
يرتبط الستر بقيم اجتماعية هامة مثل الشرف والعفاف والصبر والاكتفاء الذاتي والقناعة والرضا والاحتشام. وامرأة أو زوجة "سَتر" أي محتشمة وعفيفة، ويعد ذلك بمثابة رأسمالها الرمزي. يرتبط الستر أيضاً بمفاهيم " الحرم" والخصوصية والحجب. فالستارة (وهي مشتقة من ستر) تحجب أهل البيت أو النساء عن الغرباء ونظرات المتطفلين. ترتبط الزوجة أشد الارتباط بالمسكن أو البيت " الحرم" الذي بدوره يمثل مجالاً له قداسته وحرمته. وهذا المعنى يعزز قيم ومعاني السكينة والخصوصية
والمودة والرحمة ويعمق الوشائج القوية بين الزوج والزوجة. وهذا الوعي الشديد بقيمة الستر والخصوصية انعكس وبصورة قوية في تقسيم المجلس بالمسكن أو البيت الإماراتي الى قسمين طبقاً لمفاهيم المحارم. إذ يحتوي المسكن على مجلسين، احدهما خاص بالنساء، ومجلس خاص بالرجال تأكيدا وحفاظاً على خصوصية
المرأة أو الزوجة. ولعل عبارة " البيوت أسرار" تكشف عن مدى أهمية خصوصية وسرية الحياة الزوجية والأسرية. فالزوجة هي " سر البيت" أو المؤتمنة على أسراره وخصوصياته. إن وعي الزوجة بمثل هذه المسئولية وحرصها على حفظ أسرار الزوج أو الأسرة يعزز الثقة والاحترام المتبادل بينهما وبين الزوج وكل أفراد العائلة.
لكن "الستر" لا يعني انغلاق الزوجة على ذاتها أو بيتها أو عدم الاحتكاك بالعالم الخارجي. فانخراط الزوجة في العمل خارج المنزل لا يحط من قدرها طالما أن شرفها محفوظ ومصان عن طريق العمل الشريف المشروع والتأدب بآداب الستر.
فيما يتعلق بالزوج، يرتبط " الستر" بجوانب أخلاقية واجتماعية واقتصادية تتمثل في توفير الموارد المادية التي تفي بحاجات الزوجة أو الأسرة، ويحقق لها أمن
المعيشة أو الستر الاجتماعي. بالإضافة إلى ذلك يرتبط الستر بتوفير الحماية للزوجة والأسرة. ففي المأثور الشعبي العربي يوصف الزوج أو الرجل بأنه "ستر وغطا" للزوجة والأسرة.
والستر هنا يكون متضمناً في الأخلاق الإعاشية الموجهة بقيم التواضع وعدم الظهور والتفاخر. إذ لا يوجد مقياس أدنى أو أعلى على أساسه يمنك قياس حالة "الستر" الاقتصادية. فإذا سئل الزوج عن حالته المادية يتوقع منه أن يجيب قائلاً "مستورة" أو " مستورة والحمد لله"، إذ ان غنى النفس هو الغنى الكامل.
لكن يجب توضيح أن الإطار الشمولي لثقافة الستر لا ينحصر على البعد الاقتصادي أو المادي المتضمن في ثقافة الفقر " فقر بلا دين هو الغنى الكامل" ، بل يتعدى ذلك ليشمل ثقافة الرفاه ويرتبط برؤى رمزية ذات أبعاد كثيرة تتدرج من البعد الفردي أو الشخصي إلى الجمعي أو الأسري. فالزوج الثري (أو الفقير) الذي يعيش قانعاً هانئاً
مع زوجته و أسرته ويحجم عن ان يسأل الناس حاجة او لا يستدين لأسباب غير ضرورية يعتبر شخصاً مستوراً. فالرأسمال القليل والمبروك (والمستور بالحلال) خير من الرأسمال الكثير الخالي من البركة. فقيمة الستر إذن تحافظ على الجانب المادي من خلال ارتباطها بجوانب أخلاقية ودينية واجتماعية.
فإذا كان هناك يسر بعد عسر، ورفاهية بعد فاقة، فإنه يجب الحفاظ على المال أو الثروة وترشيدها وعدم تبذيرها. وهذا يتحقق بالتمسك بقيمة الستر وتفعيلها في السلوك اليومي للزوجين أو أفاد الأسرة بأكملها.
