الحمد لله وحده والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
لا شك ولا ريب أن الجن خلق من خلق الله سبحانه وتعالى وهم مكلفون ومجزيون بأعمالهم والصالح منهم في الجنة وقيل في ربض الجنة أقل مرتبة من المؤمنين وقيل إننا نراهم في الآخرة ولا يروننا.
وقد جاء ذكرهم في القرآن العظيم اثنين وعشرون مرة وهؤلاء الجن خلق من خلق الله وهم مأمورون ومنهيون كما هو حال آدم وذريته المسلمون الملتزمون بما أوجب الله عليهم وفق كتاب الله عز وجل وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ووجود الجن حقيقة لا خرافه بنص القرآن العظيم والسنة وبين الجن والإنس نسبة متقاربة من حيث التكاليف الشرعية ومن حيث اختيار طريق الخير وطريق الشر وهم مأمورون بعبادة الله وحده لا شريك له لقوله عز وجل: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ ﴾ [الذّاريَات: 56].
وهم مستترون عنا فلا نراهم إلا إذا تصوروا في صورة إنسان أو حيوان أو طير أو غير ذلك من مخلوقات الله، ويأكلون ويشربون ويتناكحون - قال العلامة الشوكاني _ح تعالى: «إنهم أجسام عاملة حقيقة تغلب عليهم النارية والهوائية». ومن أراد الزيادة فليرجع إلى كتابي: «تحصين المسلمين من الشيطان الرجيم» ص 39 إلى ص 47.
هذا بالنسبة للجن أما الشياطين فقد قيل: أن إبليس أبو الشياطين كان يعيش مع عالم الملائكة في السماء. ودخل الجنة وعصى عن السجود لآدم استكباراً و حسداً فأخرجه الله من الجنة ولعنه وطرده من جنته وحرمه وذريته من رحمته وكتب عليهم الشقاء وجعلهم من حطب جهنم هو وذريته ولا يموتون إلى يوم وقت المعلوم.
أما الإنس والجن فهم يموتون ومنهم المؤمن ومنهم الكافر فآدم _ج أبو الإنس، والجان أبو الجن، وهم محاسبون ومجزيّون بأعمالهم، وأما إبليس فهو - كما قيل - أبو الشياطين وكلهم في النار فإبليس وذريته الشياطين كلهم حطب جهنم ولا خير فيهم.
ولقد جاء ذكر الشيطان في القرآن العظيم ثمانية وأربعين مرة وذلك في عدة سور من القرآن العظيم وهذا ما يؤكد ويدل دلالة واضحة على خطرة الكبير والتحذير الشديد لبني آدم من هذا العدو الخطير وبعد أن طلب من الرب العظيم إنظاره إلى يوم القيامة أخذ يهدد بالانتقام من آدم وذريته بالإظلال والإغواء ولكنه لا يستطيع الوصول إلى عباد الله المخلصين فلا سلطان له عليهم، نسأل الله أن يجعلنا جميعاً منهم، اللهم آمين.
يا أخي المسلم:
لا شك ولا ريب أنه لا ينجو من الشيطان وخيله ورجله ووساوسه إلا من عصمه الله من المؤمنين، ومعنى هذا أن كل مسلم معرض لمكائد الشيطان ووساوسه وتلبيساته حتى يتحصن بذكر الله، ثم يحقق الإيمان بأركانه الستة المعروفة، فإذا حقق ذلك أصبح مؤمناً والمؤمن يحافظ على ذكر الله وعلى مواقيته، وأعظم الذكر وأجل الذكر وأرفع الذكر هو الصلاة مع جماعة المسلمين مع المحافظة على الأذكار قبل الصلاة وأثناءها وبعدها وقراءة آية الكرسي والإخلاص والمعوذتين، وهذا هو الحصن الحصين وهو الحفظ التام من الجن والشياطين، فإن الله سبحانه وتعالى قد خلق الخلق على الفطرة على الحنيفية السمحة على الإسلام كما جاء في الحديث: «كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه».
فجميع من لم يكن مسلماً من جميع الخلائق فهو جندي من جنود الشيطان تستخدمه الجن والشياطين إلا من كان مسلماً ومحافظاً على الصلاة وعلى ذكر الله وعلى طاعة الله وطبّق أذكار الصباح والمساء وعند النوم، فهذا بإذن الله محفوظ بحفظ الله وفي رعاية الله وعبد من عباد الله مؤدياً لما أوجبه الله، وقد تحصن وحفظ نفسه وذريته إن شاء الله من الجن والشياطين، وانتقل من الإسلام إلى الإيمان وقوي إيمانه وتحقق فيه قول الله سبحانه وتعالى: ﴿ إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا ﴾ [النِّسَاء: 103]. وهنا لا سبيل ولا وصول لعدويه من الإنس والجن إليه.
ومع هذا فقد ذكر الله سبحانه وتعالى في سورة العصر أحوال الناس وأنهم في خيبة وخسارة إلا من رحم الله فقال تعالى: ﴿ إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾ [العَصر: 3].
ولهذا فإن الناس في هذه السورة على مراتب، فذكر الله عز وجل المراتب التالية:
أولاً: لقد أقسم الله سبحانه وتعالى بالعصر وهو الوقت ولله سبحانه أن يقسم بما شاء من مخلوقاته وليس للمخلوقين حق القسم إلا بذات الله عز وجل، أو باسم من أسمائه، أو بصفة من صفاته جلّ وعلا، ومن أقسم بغير الله فقد أشرك، نعوذ بالله من الشرك وأهله.
ثانياً: إن جميع الخلق في خسارة كما ذكر الله سبحانه وتعالى: ﴿ إِنَّ الإنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ ﴾ [العَصر: 2] ثم استثنى وتكرم على عباده المؤمنين بالنجاة من هذه الخسارة والفوز في الدنيا والآخرة.
ثالثاً: كل مسلم معرض للخسارة حتى يحقق الإيمان فإذا حقق الإيمان فاز ونجا من هذه الخسارة.
رابعاً: إن كل مؤمن لا يتحقق له الإيمان التام حتى يكون عمله خالصاً لله صواباً لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
خامساً: إن كل عمل لا يتصف بالإخلاص لله والمتابعة لرسول الله لا يقبله الله لقوله عز وجل: ﴿ وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاَةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ ﴾ [البَيّنَة: 5]، ولقوله سبحانه وتعالى: ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [النّحل: 97].
وهذه الآية يسميها بعض العلماء آية الحياة الطيبة، ولا تتحقق ولا تحصل الحياة الطيبة إلا بالإيمان، ومعنى هذا أن يرتقي بعمله من الإسلام إلى الإيمان، فنسأل الله العلي العظيم أن يرزقنا جميعاً تحقيق الإيمان، اللهم آمين.
وهذا مقتبس من بعض آيات القرآن العظيم عن الإيمان والعمل الصالح، وأما من السنة فقوله صلى الله عليه وسلم: «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد»ـ وهذا الحديث العظيم هو توضيح وتفسير للآية الكريمة في سورة آل عمران والتي يسميها بعض العلماء آية الامتحان، وهي قوله تعالى: ﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [آل عِمرَان: 31].
فمعنى هذا يا أخي المسلم وأختي المسلمة: إن الحصول على الوقاية التامة والحصانة الإلهية من الجن والشياطين هي سهلة وميسرة لمن وفقه الله عز وجل وهي كما يلي:
1- الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم، والاستعاذة أمرها عظيم وشأنها جسيم، ولها فوائد كثيرة وعظيمة، وقد ذكرتها مفصلة في بابها الاستعاذة من هذا الكتاب للرجوع إليها من باب الزيادة والمعرفة، وقد قال الله سبحانه وتعالى: ﴿ وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [الأعرَاف: 200] وقال سبحانه: ﴿ فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ * إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ ﴾ [النّحل: 98-100].
وقال عز وجل: ﴿ وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [الأعرَاف: 200].
2- الصلاة ولزوم جماعة المسلمين وعدم التخلف عنها مع المحافظة التامة عليها في أوقاتها المحددة، لأن شأنها عظيم وأمرها جسيم، وهي أجل الذكر وأعظمه، وهي الفارق بين الكفر والإيمان، وهي أعظم شعيرة في الإسلام بعد الشهادتين، وقد فرط في أمر الجماعة كثير من المسلمين - هدانا الله وإياهم إلى الصراط المستقيم ولزوم جماعة المسلمين - فيجب المحافظة التامة عليها وإقامتها في أوقاتها المحددة والمحافظة عليها مع جماعة المسلمين.
وزيادة على هذا فقد ورد فيها أحاديث عظيمة وكثيرة جداً لا يتسع المقام لذكرها، ولكن نكتفي بالقليل تذكرة لأصحاب القلوب المؤمنة ففي ذكرها الخير والبركة، فقد جاء في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما من ثلاثة في قرية ولا بدوٍ لا تقام فيهم الصلاة إلا قد استحوذ عليهم الشيطان فعليك بالجماعة فإنما يأكل الذئبُ القاصية»، فإذا حافظ كل مسلم على الصلاة مع الجماعة وأتى بالأذكار المشروعة بعدها وقرأ آية الكرسي، والإخلاص والمعوذتين، وكررها في المغرب والفجر ثلاث مرات فإنه قد حصن نفسه، وإذا دخل بيته وقرأ عشر آيات من سورة البقرة: أربع آيات من أولها وآية الكرسي وآيتان بعدها، وثلاثة من آخرها، والإخلاص والمعوذتين في بيته فقد حصن نفسه وذريته وبيته من الشيطان، فينبغي على كل مسلم ومسلمة أن يحافظ على ذلك عقب الصلوات وفي الصباح والمساء، وعند دخول منزله، وعند النوم، (وبهذا أقسم بالله العظيم أنه لن يكون من الغافلين) وسيكون بإذن الله من الذاكرين الشاكرين، وليس للشيطان عليه سبيل هو وذريته ما دام عاملاً بذلك ومطبقاً له في الأوقات المذكورة وقد جاء ذكرها مفصلاً في هذا الكتاب. وزيادة على هذا قراءة سورة الإخلاص والمعوذتين عند النوم وينفث على كفيه ويمسح رأسه ووجهه وما استطاع من جسده، ويكرر ذلك ثلاثاً فهي حصانة له حتى الليلة القادمة، كما جاء ذلك في الحديث الصحيح».
3- الاعتصام بالله وإخلاص العمل له والتوكل عليه والاستعانة والاستعاذة به، وهذا كله أكبر دافع وسلاح قوي وحصن مكين لكل مستقيم ومخلص من المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات. قال تعالى: ﴿ قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأَُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ ﴾ [الحِجر: 39-40].
فاعترف اللعين عياذاً بالله منه بعجزة التام عن التعرض لعباد الله المخلصين، ومما لا شك فيه أن أعظم الإخلاص لله: توحيده وصرف العبادة له وحده لا شريك له، وتحقيق التوحيد الخالص وهو توحيد الألوهية والربوبية وتوحيد الأسماء والصفات وهو السلاح القوي القاطع المانع لأنه بتوحيده لله وإخلاص عمله له في دعائه وعبادته ورجائه وخوفه ونذره وتوكله ورغبته وهبته إلى الله وحده لا شريك له، أقول: وعندما يحقق كل مسلم ومسلة ومؤمن ومؤمنة ذلك فلا سبيل للجن والشيطان عليه، أما إذا صرف شيئاً من ذلك لغير الله فهنا تكون الكارثة الكبرى والمصيبة العظمى وهي الشرك، وهنا تفتح أبواب الجن والشياطين عليه ويصبح مستعبداً ومسخراً لهم، ويسير في ركابهم، وبالتالي يلجأ إلى العرافين والسحرة والكهنة ومن في حكمهم، فيضل بذلك ويهلك نسأل الله أن يحفظ الجميع.
4- الاعتصام التام بالكتاب والسنة: ففيهما كل سعادة وخير وصلاح وفلاح ونجاح في الدنيا والآخرة، قال تعالى: ﴿ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [الأنعَام: 153].
فالالتزام التام بالكتاب والسنة علماً وعملاً وقولاً وفعلاً يطرد الجن والشياطين، ولا يجعل لهم أي سبيل ولا طريق إلى كل مسلم ومسلمة، وقد ثبت في الصحيح عن أبي هريرة رضي الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد اعتزل الشيطان ليبكي ويقول: يا ويله أُمر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنة وأمرت بالسجود فأبيت فلي النار».
5- تقوى الله عز وجل والتمسك بطاعته والإنابة والرجوع إليه، ففي ذلك كل الخير والسعادة في الدنيا والآخرة، وفتح الأبواب لكل خير، وكذلك قفل وإغلاق أبواب ونوافذ الشر، قال الله سبحانه: ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا ﴾ [الطّلاَق: 2]، وقال عز وجل: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عِمرَان: 102]. وقال عز وجل: ﴿ وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا ﴾ [فُصّلَت: 18]، وقال تعالى: ﴿ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ ﴾ [الأعرَاف: 156].
6- الإنفاق في سبيل الله سراً وجهراً والقيام بقضاء حوائج الناس: ولا شك أن الإنفاق وخدمة المحتاجين والمعوزين والفقراء والمساكين وخاصة إذا قصد بها وجه الله خالصة دون الرياء والسمعة فإن لها فضائل عظيمة ومراتب جليلة عند الرب العظيم الجليل الكبير، وقد ثبت في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن صدقة السر لتطفئ غضب الرب»، ولما روي أيضاً في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم: «باكروا بالصدقة فإن البلاء يتخطاها» وكذلك ورد في الأثر: «داووا مرضاكم بالصدقات».
فيا أخي المسلم:
إن الصدقات شأنها عظيم وأمرها جسيم وخاصة إذا أنفقت للمحتاجين سراً، أما الزكوات فيرى العلماء أن إعلانها أفضل ليقتدي به غيره، ولأنها ركن من أركان الإسلام، أما الصدقة فهي تطوع والأفضل الإسرار بها.
7- العمل الصالح الخالص لله والتوسل به إلى الرب العظيم، ولا شك أن هذه من الأمور التي تنفع العبد وترفعه عند الله عز وجل، ولها شرطان أساسيان هما:
1- الإخلاص لله وسبحانه وتعالى.
2- المتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم.
وقد قال تعالى: ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [النّحل: 97]، وقال عز من قائل: ﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ﴾ [الكهف: 110]. وكما جاء في الحديث الصحيح في قصة الثلاثة نفر الذين توسلوا بخالص أعمالهم وصالحها فانفرجت عنهم الصخرة.
8- الاستقامة والاستعانة بالله عز وجل:
فالاستقامة لها منزلة رفيعة، وأمرها عظيم وشأنها جسيم، ومرتبتها جليلة عظيمة، ومنزلتها رفيعة عند الله سبحانه وتعالى، والاستعانة لا تقل مرتبتها عنها بل هي أعظم منها لأن بها تحقيق التوحيد والعمل الخالص لله وحده سبحانه وتعالى، قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلاَئِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ ﴾ [فُصّلَت: 30-32]. كما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لرجل عندما سأله: قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحداً بعدك (أو قال: غيرك) قال صلى الله عليه وسلم: «قل آمنت بالله ثم استقم».
أما الاستعانة فيكفي المسلمين فيها إرشاداً وتوجيهاً حديث حبر هذه الأمة عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: كنت خلف النبي صلى الله عليه وسلم فقال لي: «يا غلام إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رُفعت الأقلام وجفت الصحف».
وهذا الحديث العظيم ينبغي للمسلمين العمل به، ونحث المسلمين على تعلمه والعمل به لما فيه من الخير العظيم.
وأخيرًا أوصي الجميع بتقوى الله ولزوم جماعة المسلمين وعدم الخروج عن طاعة ولي الأمر والمحافظة التامة على الصلاة مع جماعة المسلمين والعمل بالحصانة وقد جاء ذكرها في هذا الكتاب مفصلاً وموضحًا في الصباح والمساء وعند النوم وبهذا وبتحقيقه يصبح الجميع من أولياء الله الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، اللهم آمين وأخيراً إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب.
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، اللهم آمين. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.