السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أعزائي زوار ورواد المنتدى الكريم
على مدار شهرين ماضيين قدمنا مجموعة من الحلقات التي تتحدث حول أحداث الفتنة الكبرى في الإسلام بمنظور صحيح سليم كما قدمه إلينا علماؤنا ممن نشهد لهم بالمصداقية والعدل في التأريخ وسرد الأحداث صحيحة بعيدة عن الأهواء والأكاذيب
وكانت الحلقات تضمنت الفترة ما بين الفتنة في عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه إلى مقتل الحسين بن على رضي الله عنهما
وقد كان الهدف من سرد تلك الأحداث ليس فقط توضيح الصورة صحيحة حول ما جرى بين الصحابة الكرام فقط ، بل وتصحيح الصور والمفاهيم الخاطئة التي ارتسمت داخل عقول الكثير نتيجة لكتابات بعض الغير منصفين وتطاول بعضهم عمدا أو غير عمد على صحابة أجلاء ندين لهم بالعرفان والجميل ، كيف لا وهم من حملوا إلينا هذا الدين غضا نضرا وبلغوا عن نبينا صلى الله عليه وسلم افضل التبليغ
وتيسيرا على القارئ العزيز في المنتدى
سأحاول تلخيص جميع ما تم ذكره في الحلقات العشرين من " أحداث الفتنة " ولمن يفضل الرجوع إليها فها نحن نضع رابط الموضوع بين يديه
أحداث الفتنة الكبرى ( فهرس الحلقات )
ولكننا الآن بصدد تلخيصها وكتابتها في نقاط هامة ومحددة
فيما يخص عثمان بن عفان رضي الله عنه
كان عثمان في أيام الجاهلية من أفضل الناس في قومه؛ فهو عريض الجاه، ثري، شديد الحياء، عذب الكلمات، فكان قومه يحبونه أشد الحب ويوقرونه. لم يسجد في الجاهلية لصنم قط، ولم يقترف فاحشة قط، فلم يشرب الخمر في الجاهلية.
كان عثمان قد ناهز الرابعة والثلاثين من عمره حين دعاه أبو بكر الصديق إلى الإسلام، ولم يعرف عنه تلكؤ أو تلعثم، بل كان سباقا أجاب على الفور دعوة الصديق، فكان بذلك من السابقين الأولين.
3- فرح المسلمون بإسلام عثمان فرحا شديدا، وتوثقت بينه وبينهم عرى المحبة وأخوة الإيمان، وأكرمه الله تعالى بالزواج من بنت رسول الله رقية.
4- إن سنة الابتلاء ماضية في الأفراد والجماعات والشعوب والأمم والدول، وقد مضت هذه السنة في الصحابة الكرام, وتحملوا من البلاء ما تنوء به الرواسي الشامخات، وبذلوا أموالهم ودماءهم في سبيل الله، وبلغ بهم الجهد ما شاء الله أن يبلغ، ولم يسلم أشراف المسلمين من هذا الابتلاء؛ فقد أوذي عثمان وعذب في سبيل الله تعالى على يدي عمه الحكم بن أبي العاص.
5- منذ اليوم الذي أسلم فيه عثمان لزم النبي حيث كان، ولم يفارقه إلا للهجرة بإذنه أو في مهمة من المهام التي يندب لها، ولا يغني فيها أحد غناءه، شأنه في هذه الملازمة شأن الخلفاء الراشدين جميعا، كأنما هي خاصة من خواصهم رشحهم لها ما رشحهم بعد ذلك للخلافة متعاقبين.
6- كان ذو النورين على صلة وثيقة بالدعوة الكبرى من سنتها الأولى، فلم يفته من أخبار النبوة الخاصة والعامة في حياة النبي ، ولم يفته شيء بعدها من أخبار الخلافة في حياة الشيخين، ولم يفته بعبارة أخرى شيء مما نسميه اليوم بأعمال التأسيس في الدولة الإسلامية.
7- كان المنهج التربوي الذي تربى عليه عثمان بن عفان، وكل الصحابة الكرام هو القرآن الكريم المنزل من عند رب العالمين.
8- إن الرافد القوي الذي أثر في شخصية عثمان بن عفان وصقل مواهبه، وفجر طاقته، وهذب نفسه هو مصاحبته لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتتلمذه على يديه في مدرسة النبوة، ذلك أن عثمان لازم الرسول صلى الله عليه وسلم في مكة بعد إسلامه، كما لازمه في المدينة بعد هجرته؛ فقد نظم عثمان نفسه، وحرص على التلمذة في حلقات مدرسة النبوة في فروع شتى من المعارف والعلوم على يدي معلم البشرية وهاديها، والذي أدبه ربه فأحسن تأديبه.
9- لم يكن عثمان بن عفان ممن تخلفوا عن بدر لتقاعس منه أو هروب ينشده، كما يزعم أصحاب الأهواء ممن طعن عليه تغيبه عن بدر، فهو لم يقصد مخالفة الرسول صلى الله عليه وسلم لأن الفضل الذي حازه أهل بدر في شهود بدر طاعة الرسول ومتابعته، وعثمان خرج فيمن خرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم, فرده صلى الله عليه وسلم للقيام على ابنته، فكان في أجل فرض لطاعته لرسول الله وتخليفه، وقد ضرب له بسهمه وأجره، فشاركهم في الغنيمة والفضل والأجر لطاعته الله ورسوله وانقياده لهما.
10- في الحديبية ذكر المحب الطبري اختصاص عثمان بعدة أمور منها: اختصاصه بإقامة يد النبي الكريمة مقام يد عثمان لما بايع الصحابة وعثمان غائب، واختصاصه بتبليغ رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى من بمكة أسيرًا من المسلمين، وذكر شهادة النبي صلى الله عليه وسلم لعثمان بموافقته في ترك الطواف لما أرسله في تلك الرسالة.
11- قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم شفاعة عثمان بن عفان في عبد الله بن أبي السرح في فتح مكة.
12- من حياة عثمان الاجتماعية في المدينة: زواجه من أم كلثوم بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد وفاة رقية بنت رسول اللهصلى الله عليه وسلمووفاة عبد الله بن عثمان، ثم وفاة أم كلثوم رضي الله عنهما.
13- من مساهمته الاقتصادية في بناء الدولة: شراء بئر رومة بعشرين ألف درهم, وجعلها عثمان للغني والفقير وابن السبيل، وتوسعة المسجد النبوي، وإنفاقه الكثير على جيش العسرة.
14 - وردت أحاديث كثيرة في فضل عثمان ، منها ما ورد في فضله مع غيره، ومنها ما ورد في فضله وحده، وقد أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلمعن الفتنة التي يقتل فيها عثمان.
15- كان عثمان من الصحابة وأهل الشورى الذين يؤخذ برأيهم في أمهات المسائل في عهد الصديق، فهو ثاني اثنين في الحظوة عند الصديق؛ فعمر بن الخطاب للحزم والشدائد، وعثمان للرفق والأناة، وكان عثمان أمينها العام، وناموسها الأعظم, وكاتبها الأكبر.
16- كان عثمان ذا مكانة عند عمر، فكانوا إذا أرادوا أن يسألوا عمر عن شيء رموه بعثمان وبعبد الرحمن بن عوف، وكان عثمان يسمى الرديف، والرديف بلسان العرب هو الذي يكون بعد الرجل، والعرب تقول ذلك للرجل الذي يرجونه بعد رئيس، وكانوا إذا لم يقدر هذان على عمل شيء ثلثوا بالعباس.
17- من أفضل أعمال عبد الرحمن بن عوف عزله نفسه من الأمر وقت الشورى، واختياره للأمة من أشار به أهل الحل والعقد، فنهض في ذلك أتم نهوض على جميع الأمة على عثمان.
18- هناك أباطيل شيعية وأكاذيب رافضية دست في التاريخ الإسلامي في قصة الشورى، وتولية عثمان الخلافة، وقد تلقفها المستشرقون وقاموا بتوسيع نشرها وتأثر بها الكثير من المؤرخين والمفكرين والمحدثين، ولم يمحوا الروايات ويحققوا في سندها ومتنها فانتشرت بين المسلمين.
19- جاءت الأدلة الكثيرة التي تشير وتنبه إلى أحقية خلافة عثمان بالخلافة، ولا نزاع عند المتمسكين بالكتاب والسنة في ذلك, وقد أجمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذا من جاء بعدهم ممن سلك سبيلهم من أهل السنة والجماعة على أن عثمان بن عفان أحق الناس بخلافة النبوة بعد عمر بن الخطاب رضي الله عنهما.
20- عندما بويع عثمان بالخلافة قام في الناس خطيبا وأعلن عن نهجه السياسي، مبينا أنه سيتقيد بالكتاب والسنة وسيرة الشيخين، كما أنه أشار في خطبته إلى أنه سيسوس الناس بالحلم والحكمة إلا فيما استوجبوه من الحدود، وحذرهم من الركون إلى الدنيا والافتتان بحطامها خوفا من التنافس والتباغض والتحاسد بينهم، مما يفضي بالأمة إلى الفرقة والخلاف.
21- إن شخصية ذي النورين تعتبر شخصية قيادية، وقد اتصف بصفات القائد الرباني، من العلم والقدرة على التوجيه والتعليم، والحلم، والسماحة, واللين, والعفو، والتواضع، والحياء، والعفة، والكرم، والشجاعة، والحزم، والصبر، والعدل، والعبادة، والخوف، والبكاء، والمحاسبة، والزهد، والشكر، وتفقد أحوال الناس، وتحديد الاختصاصات والاستفادة من أهل الكفاءات.
22- إن معرفة صفات الخلفاء الراشدين، ومحاولة الاقتداء بهم خطوة صحيحة لمعرفة صفات القادة الربانيين، الذين يستطيعون أن يقودوا الأمة نحو أهدافها المرسومة بخطوات ثابتة.
23- قامت سياسة عثمان المالية على الأسس العامة التالية: تطبيق سياسة مالية عامة إسلامية، عدم إخلال الجباية بالرعاية، أخذ ما على المسلمين بالحق لبيت مال المسلمين، وأخذ ما على أهل الذمة لبيت مال المسلمين بالحق، وإعطائهم ما لهم وعدم ظلمهم، وتخلق عمال الخراج بالأمانة والوفاء، وتفادي أي انحرافات مالية يسفر عنها تكامل النعم لدى العامة.
24- كانت النفقات في عهد عثمان تصرف على: صرف مرتبات الولاة، ومرتبات الجند، وعلى أسطول بحري، وتحويل الساحل من الشعيبة إلى جدة، وحفر الآبار, والإنفاق على المؤذنين، وغيرها من الأمور.
25- اتهم عثمان من قبل الغوغاء والخوارج بإسرافه في بيت المال وإعطائه أكثره لأقاربه، وقد ساند هذا الاتهام حملة دعائية باطلة قادها السبئيون وتلقفها الشيعة الروافض إلى يومنا هذا، وتسربت في كتب التاريخ، وتعامل المفكرون والمؤرخون على كونها حقائق، وهي باطلة لم تثبت لأنها مختلقة.
26- يعتبر عهد ذي النورين امتدادا للعهد الراشدي الذي تتجلى أهميته بصلته بالعهد النبوي وقربه منه، فكان العهد الراشدي عامة والجانب القضائي فيه خاصة امتدادا للقضاء في العهد النبوي، مع المحافظة الكاملة والتامة على جميع ما ثبت في العهد النبوي، وتطبيقه بحذافيره وتنفيذه بنصه ومعناه.
27- كانت خطة عثمان في الفتوحات تتسم بالحسم والعزم، وتمثلت في الآتي: إخضاع المتمردين من الفرس والروم، وإعادة سلطان الإسلام إلى هذه البلاد، واستمرار الجهاد والفتوحات فيما وراء هذه البلاد لقطع المدد عنهم، وإقامة قواعد ثابتة يرابط فيها المسلمون لحماية البلاد الإسلامية، وإنشاء قوة بحرية عسكرية لافتقار الجيش الإسلامي إلى ذلك.
28- كانت معسكرات الإسلام ومسالحه في عهد عثمان هي عواصم أقطاره الكبرى، فمعسكر العراق في الكوفة والبصرة، ومعسكر الشام في دمشق بعد أن خلص الشام كله لمعاوية بن أبي سفيان، ومعسكر مصر وكان مركزه الفسطاط, وكانت هذه المعسكرات تقوم بحماية دولة الإسلام ومواصلة الفتوحات ونشر الإسلام.
29- من أشهر قادة الفتوحات في عهد عثمان : الأحنف بن قيس، وسليمان بن ربيعة، وعبد الرحمن بن ربيعة، وحبيب بن مسلمة.
30- كانت معركة ذات الصواري من مظاهر تفوق العقيدة الصحيحة الصلبة على الخبرة العسكرية والتفوق في العَدَد والعُدَد، فلقد كان الروم هم أهل البحر منذ القدم، وقد مروا بتجارب طويلة في الحروب البحرية، بينما كان المسلمون حديثي عهد بركوب البحر والقتال البحري.
31- من أهم الدروس والعبر والفوائد في فتوحات عثمان بن عفان تحقق وعد الله بالنصر والتمكين للمؤمنين، التطور في فنون الحرب والسياسة، ركوب المسلمين البحر، جمع المعلومات عن الأعداء، الحرص على وحدة الكلمة في مواجهة العدو.
32- يظهر من قصة جمع القرآن في عهد عثمان مدى فهم الصحابة -رضي الله عنهم- لآيات النهي عن الاختلاف؛ حيث إن الله نهى عن الاختلاف وحذر منه، فلعمق فهمهم لهذه الآيات ارتعد حذيفة t عندما سمع بوادر الاختلاف في قراءة القرآن، فرحل فورا إلى المدينة النبوية, وأخبر عثمان بما رأى وبما سمع، وفي مدة قصيرة حسم عثمان الأمر وأغلق باب الخلاف.
33- إن الأخذ بالأسباب نحو تأليف المسلمين وتوحيد صفهم من أعظم الجهاد، وهذه الخطوة مهمة في إعزاز المسلمين وإقامة دولتهم وتحكيم شرع ربهم، وهذا من فقه الخلفاء الراشدين، ويتجلى في أبهى صورة في جمع عثمان للأمة على مصحف واحد.
34- كانت أقاليم الدولة الإسلامية في عهد عثمان تضم كلاً من: مكة، والمدينة, والبحرين, واليمامة، واليمن، وحضرموت، والشام، وأرمينية، ومصر، والبصرة والكوفة.
35- اتخذ عثمان أساليب متنوعة لمراقبة عماله والاطلاع على أخبارهم، منها: حضوره لموسم الحج، سؤال القادمين من الأمصار والولايات، إرسال المفتشين إلى الولايات، استقدام الولاة وسؤالهم، وغير ذلك من الأساليب.
36- من حقوق الولاة في العهد الراشدي: الطاعة في غير معصية الله، بذل النصيحة للولاة، إيصال الأخبار الصحيحة إليهم، احترامهم بعد عزلهم، وإعطاؤهم مرتباتهم.
37- من واجبات الولاة في العهد الراشدي: إقامة أمور الدين، تأمين الناس في بلادهم، الجهاد في سبيل الله، بذل الجهد في تأمين الأرزاق للناس، تعيين العمال والموظفين، رعاية أهل الذمة، مشاورة أهل الرأي في ولايتهم، النظر في حاجة الولاية العمرانية، مراعاة الأحوال الاجتماعية لسكان الولاية.
38- إن عثمان خليفة راشد يقتدى به، وأفعاله تشكل سوابق دستورية في هذه الأمة، فكما أن عمر سن لمن بعده التحرج عن تقريب الأقربين, فكان عثمان سن لمن بعده تقريب الأقربين إذا كانوا في كفاءتهم الإدارية، وكل ما أنكر على عثمان لا يخرج من دائرة المباح.
39- إن الولاة الذين ولاهم عثمان من أقاربه قد أثبتوا الكفاية والمقدرة في إدارة شئون ولاياتهم، وفتح الله على أيديهم الكثير من البلدان, وساروا في الرعية سيرة العدل والإحسان، ومنهم من تقلد مهام الولاية في عهد الصديق والفاروق رضي الله عنهما.
40- إن الذي يرجع إلى الصحيح المحض من وقائع التاريخ، ويتتبع سيرة الرجال الذين استعان بهم أمير المؤمنين عثمان، وما كان لجهادهم من جميل الأثر في تاريخ الدعوة الإسلامية، بل ما كان لحسن إدارتهم من عظيم النتائج في هناء الأمة وسعادتها، فإنه لا يستطيع أن يمنع نفسه من الجهر بالإعجاب والفخر كلما أمعن في دراسة ذلك الدور من أدوار التاريخ الإسلامي.