تحريم زواج المسلمة من غير المسلم ليس تعصبًا
أباح الإسلام زواج المسلم من الكتابية، و جمهور الفقهاء على إباحة زواج المسلم من نساء أهل الكتاب، وأجمعوا على حرمة زواج المسلمة من غير المسلم، والله تعالى يقول (ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن) وقال (ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا) ثم استثنى فقال
وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب) فأباح زواج المحصنات من أهل الكتاب ولم يجز زواج رجالهم من نساء المسلمين.
وهنا ادعى المستشرقون ومن تبعهم من المنصرين والعلمانيين أن ذلك دليل على عنصرية الإسلام، لأنه مع الإباحة للمسلم من الزواج من الكتابية، مُنعت المسلمة من زواج الكتابي.وهذا الحكم الشرعي لاعنصرية فيه البتة ، لأن الإسلام لم يأتي ببدع في ذلك الأمر، فكل الأديان الموجودة على ظهر الأرض تحرم زواج المرأة التي تدين بها من رجل على ملة أخرى.فاليهودية على سبيل المثال " تُحرِّم الزواج بين اليهودية وغير اليهودي فقد جاء في العهد القديم: « ولا تصاهرهم. بنتك لا تعط لابنه وبنته لا تأخذ لابنك » (تثنية 7/3).
ولكن رغم هذا الحظر، فإن أنبياء اليهود وزعماءهم كانوا يتزوجون من غير اليهوديات. وقد تزوج إبراهيم عليه السلام من هاجر المصرية، وتزوج حفيده يعقوب عليه السلام – كما يزعم أهل الكتاب - من امرأتين من الأغيار، وتزوج رءوبين وسيمون ويهودا من كنعانيات، وتزوج دان من مؤابية، وتزوج زبلون (وقبله موسى) من مَدْيَنية، وتزوج يوسف من مصرية، وتزوج داود من امرأة حيثية أنجبت له سليمان الذي تزوج من إناث من جميع الأجناس المعروفة في زمنه.
ومع هذا، منع يعقوب دينه من الزواج من شكيم"(1) موسوعة المسيري اليهود واليهوديةوإذا انتقلنا إلى المسيحية نجد أنها تحرم زواج المرأة المسيحية من غير المسيحي، بل التحريم يصل إلى تحريم الزواج بمسيحي من طائفة أخرى، مثل تحريم زواج الأرثوذكسية من البروتستانتي أو الكاثوليكي، ويتجاوز ذلك إلى تحريم زواج أبناء الملة الواحدة كالأرثوذكس إذا اختلفت الطوائف، وتطليقها منه إذا تغيرت الملة. وقصة طلاق هالة صدقي الممثلة المسيحية المعروفة ليست عنا ببعيد، فعندما أرادت أن تطلق من زوجها غيرت طائفتها و لجأت إلى حيلة تغيير الملّة من الكنيسة الأرثوذكسية إلى الكنيسة السريانية في العام 2001 لتتمكن من الطلاق. وفي قانون الأقباط الأرثوذكس المصري الصادر عام 1938م تنص المادة السادسة على أن " اختلاف الدين مانع من الزواج"، وفي مادة 24 "أحد موانع الزواج اختلاف الدين أو المذهب ويقصد باختلاف المذهب .. أن يكون الزوجان المسيحيان غير متحدي المذهب او الملة كزواج القبطي الأرثوذكسي بقبطية كاثوليكية .. أو زواج أحد أبناء كنيسة الروم الأرثوذكس المصريين بزوجة سريانية أو انجيليه، والزواج المختلط مذهبيا يظهر في الواقع كثيرا .. في أحوال تغيير أحد الزوجين لمذهبه أو ملته بعد الزواج .. مثل الزواج الذي ينعقد بين زوجين قبطيين أرثوذكسيين .. ثم يغير أحدهما ملته بعد الزواج إلى الروم الأرثوذكس .. فيصبح الزوجان بعد الزواج مختلفي ملة ".
وفي مادة 13 من مشروع القانون الموحد للآحوال الشخصية" يشترط لصحة الزواج اتحاد الزوجين في المسيحية فإذا اختلفا في ذلك امتنع الزواج المختلط حتى يتم اتحاد الزوجين في تبعيتهما للكنيسة القبطية الأرثوذكسية وذلك بسبب مبدأ تقديس الزواج باعتباره من أسرار الكنيسة السبعة .. وفي كنيستنا القبطية لا يقبل أي كاهن فيها إجراء مراسم الزواج الكنسي إلا لزوجين قبطيين معمدين في الكنيسة القبطية .. كما أن القانون الكنسي للأقباط يجعل من حق أي من الزوجين – فسخ الزواج الكنسي الذي ارتبطا به في حالة اعتناق الزوج الآخر ديانه آخرى غير الدين المسيحي" أليست هذه هي التفرقة بعينها؟!! فالإسلام لم يمنع الزواج بين المسلمين وغيرهم من أهل الكتاب تمامًا، ولكنه منع زواج المسلمة من غير المسلم، ومع هذا المنع فتح بابًا آخر للتواصل بين المسلمين وأهل الكتاب وهو إباحة زواج المسلم من الكتابية."وهناك وجهة نظر إسلامية فى هذا الصدد توضح الحكمة فى ذلك. وكل تشريعات الإسلام مبنية على حكمة معينة ومصلحة حقيقية لكل الأطراف.فالزواج فى الإسلام يقوم على " المودة والرحمة " والسكن النفسى.
ويحرص الإسلام على أن تبنى الأسرة على أسس سليمة تضمن الاستمرار للعلاقة الزوجية. والإسلام دين يعترف بكل الأديان السماوية الصحيحة السابقة ويجعل الإيمان بالأنبياء السابقين جميعًا جزءاً لا يتجزأ من العقيدة الإسلامية. وإذا تزوج مسلم من مسيحية أو يهودية فإن المسلم مأمور بإقرارها على عقيدتها ، ولا يجوز له ـ من وجهة النظر الإسلامية ـ أن يمنعها من ممارسة شعائر دينها والذهاب من أجل ذلك إلى الكنيسة أو المعبد. وهكذا يحرص الإسلام على توفير عنصر الاحترام من جانب الزوج لعقيدة زوجته وعبادتها. وفى ذلك ضمان وحماية للأسرة من الانهيار.أما إذا تزوج غير مسلم من مسلمة فإن عنصر الاحترام لعقيدة الزوجة يكون مفقودًا.
فالمسلم يؤمن بالأديان السماوية الصحيحة السابقة ، وبأنبياء الله السابقين ، ويحترمهم ويوقرهم ، ولكن غير المسلم لا يؤمن بنبى الإسلام ولا يعترف به ، بل يعتبره نبيًّا زائفًا وَيُصَدِّق ـ فى العادة ـ كل ما يشاع ضد الإسلام وضد نبى الإسلام من افتراءات وأكاذيب ، وما أكثر ما يشاع.وحتى إذا لم يصرح الزوج غير المسلم بذلك أمام زوجته فإنها ستظل تعيش تحت وطأة شعور عدم الاحترام من جانب زوجها لعقيدتها. وهذا أمر لا تجدى فيه كلمات الترضية والمجاملة. فالقضية قضية مبدأ. وعنصر الاحترام المتبادل بين الزوج والزوجة أساس لاستمرار العلاقة الزوجية.
وقد كان الإسلام منطقيًّا مع نفسه حين حرّم زواج المسلم من غير المسلمة التى تدين بدين غير المسيحية واليهودية ، وذلك لنفس السبب الذى من أجله حرّم زواج المسلمة بغير المسلم.فالمسلم لا يؤمن إلا بالأديان السماوية الصحيحة وما عداها تُعد في اعتقاده أديانًا بشرية. فعنصر التوقير والاحترام لعقيدة الزوجة فى هذه الحالة ـ بعيدًا عن المجاملات ـ يكون مفقودًا.
وهذا يؤثر سلبًا على العلاقة الزوجية ، ولا يحقق " المودة والرحمة " المطلوبة فى العلاقة الزوجية" (2). كتاب ردود على المشككين إصدار وزارة الأوقاف المصرية.ويقول الشيخ محمد الغزالي ـ رحمه الله ـ :رب البيت المسلم يستحيل أن يمر بخاطره أن يهين موسى أوعيسى ، إنه يحترمهما كما يحترم نبيه محمدا ، ويصفهما بالوجاهة والرسالة وقوة العزم وصدق البلاغ! وهذا معنى يلقي السكينة في نفوس أتباعهما. أما اليهود والنصارى فإن ضغائنهم على محمد – صلى الله عليه وسلم - أعيت الأولين والآخرين، وقد استباحوا قذفه بكل نقيصة.
وفي عصرنا هذا منحت إنجلترا أعظم جائزة أدبية لكاتب نكرة ،كل بضاعته شتم محمد والولوغ في عرضه والتهجم عل حرمه ! فكيف تعيش مسلمة في بيت تلك بعض معالمه؟ إن الزواج ليس عشق ذكر لمفاتن أنثى !!إنه إقامة بيت على السكينة النفسية والآداب الاجتماعي، في إطار محكم من الإيمان بالله، والعيش وفق هداياته، والعمل على إعلاء كلمته، وإبلاغ رسالاته" ( 3) كتاب قذائف الحق للشيخ محمد الغزالي فلماذا ينكرون على الإسلام هذا الحكم وهو ليس غريب عليهم ولم يتفرد به الإسلام ، لماذا يتخذوا هذا الحكم سبيلاً للطعن في ديننا وهم فيما بينهم لا يزوجون بعضهم بعضاً وهم أهل ديانة واحدة ؟!!